<< تعليق على موقف القضاء العراقي
>>
الأستاذ الدكتور: طارق كاظم عجيل
أستاذ القانون المدني
كلية القانون/ جامعة ذي قار
قضـت محكمة التمييز الاتحادية فــي
قرارهــا المرقـــم 1650 بتاريخ 21/12/2012 بأنه: (لدى التدقيق والمداولة وجد أن
الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية فقرر قبوله شكلا. ولدى عطف النظر على
الحكم المميز وجد بأن المدعي/ اضافة لوظيفته قد أقام الدعوى على المدعى عليهم
لمطالبتهم بنشر تكذيب للمقال الذي نشرته جريدة العالم بتاريخ 26/7/2010 وبالعدد
158 تحت عنوان تقرير هندسي تجاوزات وهدر يهدد منشآت المدنية الرياضية في البصرة
بالانهيار وتحميلهم مبلغ مليار دينار عن اساءة السمعة وتعويضا أدبيا عما لحقه من
نشر هذه الافتراءات بالتكافل والتضامن ولما كانت المادة 48/2 من القانون المدني
نصت على أنه ويتمتع الشخص المعنوي بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الشخص
الطبيعي وذلك في الحدود التي يقررها القانون وان المادة 205/1 من القانون المذكور
قضت بأنه يتناول حق التعويض الضرر الأدبي كذلك فكل تعد على الغير في حريته أو في
عرضه أو في شرفه أو في سمعته أو مركزه الاجتماعي أو في اعتباره المالي يجعل
المتعدي مسؤولا عن التعويض وعليه فأن المطالبة بالتعويض عن الضرر الأدبي يكون من
حق الأشخاص الطبيعية وليس الأشخاص المعنوية وحيث أن الدعوى أقيمت من قبل المدعي/
اضافة لوظيفته فكان يقتضي من المحكمة أن تحكم برد الدعوى من هذه الناحية ولما كان
الحكم المميز قد قضى برد الدعوى عن سبب آخر. فقرر تصديقه من حيث النتيجة وتحميل
المميز رسم التمييز وصدر القرار بالاتفاق في 16/محرم/ 1432 هـ الموافق
21/12/2010).
المبدأ القانوني: المطالبة بالتعويض عن
الضرر الأدبي يكون من حق الأشخاص الطبيعية وليس الأشخاص المعنوية.
ونحن لا نرى صحيحا ما ذهبت اليه محكمة التمييز
الاتحادية الموقرة من قصر التعويض عن الضرر الأدبي – كقاعدة عامة – على الأشخاص
الطبيعية دون المعنوية، وذلك للأسباب الآتية:
إن الفقرة الثانية من المادة 48 من
القانون المدني والتي أشارت إليها المحكمة في حيثيات حكمها والتي تقضي بأنه:
(ويتمتع الشخص المعنوي بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الشخص الطبيعي
وذلك في الحدود التي يقررها القانون)، لا تسعفها فيما ذهبت اليه بل هي دليل على
عدم صحة ما ذهبت اليه، فالنص صريح في أن القاعدة العامة هي مساواة الشخص الطبيعي
بالشخص المعنوي في جميع الحقوق والاستثناء هو عدم تمتع الشخص المعنوي بالحقوق
الملازمة لصفة الشخص الطبيعي وذلك في الحدود التي يقررها القانون، ولما كان الضرر
الأدبي لا يقع على صورة واحدة وإنما تتعدد صوره بتعدد صور الحق الذي تم الاعتداء
عليه من قبل الغير، لذلك يجب البحث عن الحق الذي تم الاعتداء عليه من قبل الغير؛
هل يثبت هذا الحق للشخص المعنوي ثبوته للشخص الطبيعي؟ ومن ثم نقرر بعد الإجابة على
هذا التساؤل عن مدى استحقاق الشخص المعنوي التعويض عن الضرر الأدبي الذي أصابه.
ولكن أين نجد هذا الحق الذي تم الاعتداء عليه؟
أن الفقرة الأولى من المادة 205 من
القانون المدني إشارة إلى ذلك بنصها: (يتناول حق التعويض الضرر الأدبي كذلك فكل
تعد على الغير في حريته أو في عرضه أو في شرفه أو في سمعته أو مركزه الاجتماعي أو
في اعتباره المالي يجعل المتعدي مسؤولا عن التعويض). فهذا النص أشار إلى الحقوق
التي يقع عليها التعدي والتي يثبت بعضها للشخص الطبيعي دون الشخص المعنوي كالحق في
الحرية والحق في عدم الاعتداء على العرض أو الشرف، كما اشار إلى الحقوق التي تثبت
للشخص الطبيعي والمعنوي على السواء كالحق في السمعة والحق في عدم الإضرار بالمركز
المالي. فمما لا خلاف فيه أن للشخص المعنوي الحق في المحافظة على سمعته ومركزه
المالي من كل اعتداء يقع من الغير، بل التعويض النتائج عن الضرر الأدبي في هذه
الصور من صور الاعتداء مما لا خلاف على تعويضه في الفقه والقضاء المقارن حتى عند
خصوم التعويض عن الضرر الأدبي، لأنه في الغالب الأعم يأتي مختلطا بضرر مادي أو
مقترنا به ويطلق الفقه الانجليزي على هذا النوع من الضرر تسمية الأضرار المثلية Exmplary Domages، فالشركة التي يتم تشويه سمعتها أو نشر معلومات
كاذبة تؤثر في مركزها المالي أمام المتعاملين في أسهمها تصاب بضرر مادي وأدبي لا
محالة.
كما أن الفقرة الثالثة من المادة الأولى
من القانون المدني تنص على أنه: (وتسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي اقرها
القضاء والفقه في العراق ثم في البلاد الأخرى التي تتقارب قوانينها مع القوانين
العراقية). وبالرجوع إلى القضاء والفقه في البلاد التي تتقارب قوانينها مع القوانين
العراقية نجد أن هذا القضاء وذاك الفقه متفق على تعويض الضرر الأدبي الذي يصيب
الشخص المعنوي، فالأستاذ يوسف نجم جبران الرئيس الأول لمحكمة التمييز في لبنان
يقول في مؤلفه في النظرية العامة للموجبات ما نصه: " وحق المطالبة بالتعويض
عن الضرر المادي والمعنوي يعود للأشخاص الطبيعيين كما يعود للأشخاص المعنويين
وللأشخاص المعنويين ذوي الصفة العامة كالدولة والبلديات الخ "([1]).
ويقول الأستاذ حسين عامر المستشار السابق في محكمة الاستئناف المصرية في مؤلفه
المسؤولية المدنية ما نصه: " وليس يقتصر دفاع الشخص المعنوي عما يصيبه من ضرر
مادي وحده، أو عما يسيء إلى المصالح العامة التي يمثلها، بل إن له ذمة معنوية، ما
يمكن معه أن تصاب بضرر أدبي، وإنما فيما يتصل بالسمعة وما إليها، وفيما عدا ما
يتعلق بالعاطفة كالتعويض الذي تطلبه مصلحة البريد لإصلاح ما وقع من ضرر أدبي،
باتهام أحد فروعها بالسرقة بغير وجه حق. وعلى هذا النحو للنقابات المهنية والشركات
والجمعيات التي تتمتع بشخصية معنوية، أن تطالب بتعويض عما يمس اعتبارها بذاتيتها
من ضرر أدبي "([2]).